نصيب الزوج من ميراث زوجته

نصيب الزوج من ميراث زوجته

الميراث في الإسلام من المسائل المهمة التي تحكم العلاقات الأسرية والمجتمعية، وقد نظم الإسلام أحكام الميراث بشكل مفصل في القرآن والسنة، ومن المسائل المهمة في الميراث نصيب الزوج من ميراث زوجته حال وفاتها. فما هو نصيب الزوج من ميراث زوجته وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية؟ وما هي الحكمة من ذلك؟ سنتناول في هذا المقال أحكام نصيب الزوج من ميراث زوجته بالتفصيل مع بيان الحكمة من ذلك، استناداً إلى الأدلة من القرآن والسنة وأقوال الفقهاء.

نصيب الزوج من ميراث زوجته إذا كانت وحدها

يختلف نصيب الزوج من ميراث زوجته باختلاف الحالات المرتبطة بوجود ورثة آخرين أم لا. فإذا توفيت الزوجة ولم يكن لها وارث سوى زوجها، فإن للزوج النصف فقط من ميراثها، ويؤخذ النصف الآخر لبيت المال.

ودليل ذلك ما ورد في قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12]. فهذه الآية صريحة في أن نصيب الزوج نصف ميراث الزوجة إذا لم يكن لها ولد.

والحكمة من ذلك أن الميراث جاء لسد حاجة الورثة، فإذا انعدم وجود ورثة غير الزوج فلا حاجة لأخذه كل المال، بل يكتفى بالنصف. وأما النصف الآخر فهو حق لبيت مال المسلمين.

ويشترط لاستحقاق الزوج نصف ميراث زوجته شرطان: الأول: أن يكون الزواج صحيحاً شرعاً. فلو كان الزواج باطلاً كأن يكون الزوجان محرمين أو لم تشهد العقد، فلا ميراث بينهما.

الشرط الثاني: أن يكون الزوج حياً وقت وفاة زوجته. فإن مات الزوج قبل زوجته فلا ميراث لورثته منها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يرث الميت”.

ويأخذ الزوج نصف التركة كاملة سواء أكانت أموالاً أم عقارات. فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأةً ماتت وتركت زوجها وابنتيها، وتركت مائة وسق تمر، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الزوج خمسين وسقاً، والابنتين خمسين وسقاً.

ولا فرق في نصيب الزوج بين ما إذا كان غنياً أو فقيراً، ولا بين أن يكون المال الموروث قليلاً أو كثيراً. لأن الشرع جعل للزوج نصف التركة مطلقاً. لكن بعض الفقهاء ذهب إلى جواز تخفيض نصيب الزوج الغني إذا رأى القاضي مصلحة في ذلك.

وهكذا يتضح أن نصيب الزوج من ميراث زوجته إذا لم يكن لها وارث سواه هو نصف التركة كاملة سواء أكانت أموالاً أو عقارات، وسواء كانت قليلة أو كثيرة، وذلك حسب نص القرآن وتطبيق النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما اتفق عليه جمهور الفقهاء.

نصيب الزوج إذا كان للزوجة ولد

يختلف نصيب الزوج من ميراث زوجته في حال وجود ولد لها منه أو من زوج سابق، فإذا توفيت المرأة وتركت زوجاً وولداً لها، أو أولاداً، ذكوراً كانوا أو إناثاً، فإن نصيب الزوج ربع التركة، إن كان للمتوفاة ولد واحد، والباقي للولد. وإن كان لها أكثر من ولد، ذكراً كان أو أنثى، فإن نصيب الزوج الثمن، والباقي للأولاد.

ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَلَكُمْ رُبُعُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء: 12].

والحكمة في تخفيض نصيب الزوج عند وجود الولد، كون الولد أولى بالميراث من الزوج، فشاركه لينال نصيباً من تركة أمه.

ويشترط لثبوت نصيب الربع أو الثمن للزوج وجود النسب الصحيح بين المتوفاة وأولادها، سواء أكانوا من الزوج الحالي أم من زوج سابق. فإن انتفى النسب كأن تتبنى المرأة طفلاً فلا يرث منها شيئاً، ويأخذ الزوج النصف.

كما يشترط حياة الولد وقت موت الأم. فإن مات الولد في حياة أمه فلا نصيب له، ويرث الزوج النصف. أما إن مات الولد بعد وفاة أمه وقبل قسمة التركة فيرث حصته عند الجمهور.

ويدخل في مسمى الولد هنا الابن وبنت الابن (الحفيد) مهما نزلوا، ذكوراً أو إناثاً. فكلهم يشاركون الزوج في الميراث، وينقصون من نصيبه. أما باقي الأقارب كالإخوة والأخوات والأجداد فلا ينقصون من نصيب الزوج.

وهكذا نخلص إلى أن الزوج إذا تركت زوجته ولداً أو أكثر، انخفض نصيبه إلى الربع أو الثمن حسب عدد الأولاد، ذكوراً كانوا أو إناثاً، مهما بعد نسبهم. وذلك امتثالاً لنصوص الشرع ورعايةً لحقوق الأولاد في ميراث أمهم.

المزيد: نصيب الزوجة من الميراث

كم نصيب الزوج من ميراث زوجته
كم نصيب الزوج من ميراث زوجته

نصيب الزوج إذا كان مع الزوجة أبواها

إذا توفيت الزوجة وتركت زوجاً وأبوين، فإن نصيب الزوج من ميراث زوجته في هذه الحالة يختلف باختلاف وجود الفروع الوارثة للزوجة من ولد أو بنت.

فإن لم يكن للزوجة فرع وارث، فإن نصيب الزوج النصف فقط، والنصف الآخر للأبوين، للأب السدس تكملة الثلثين، وللأم السدس تكملة الثلث.

ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء:11].

أما إذا كان للمتوفاة فرع وارث من ولد أو بنت، فعندئذ يأخذ الزوج الثمن فقط، والباقي للفروع حسب نصيب كل منهم في الميراث، أما الأبوان فلا شيء لهما في هذه الحال.

قال تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم} [النساء:12].

والحكمة في تقديم الفروع الوارثة أنهم أحق بالإرث من الأصول، فإذا تعارض حق الأبوين مع حق الفروع، قُدّم حق الفروع على حق الأبوين.

ويُشترط لثبوت إرث الأبوين مع وجود الزوج ما يلي:

  •  أن يكون النسب بين المتوفاة وأبويها ثابتًا بالولادة الشرعية أو بما يقوم مقامها.
  • ألا يكون الأبوان محرومين من الإرث لعلة من علل الحرمان كالقتل أو الارتداد.
  • أن يكون الأبوان أو أحدهما على قيد الحياة وقت وفاة الابنة. فإن مات أحدهما أو كلاهما قبلها سقط إرثه.

وهكذا يتبين أن إرث الأبوين مع الزوج مشروط بعدم وجود فرع وارث، فإن وجد انتقل كامل الباقي بعد نصيب الزوج إلى الفروع دون الأبوين. وفي غير هذه الحالة يرث الأبوان مع الزوج.

شروط استحقاق الزوج للميراث

يشترط لاستحقاق الزوج الميراث من زوجته بعد وفاتها عدة شروط، من أهمها:

  •  صحة الزواج بين الزوجين شرعاً، بأن يكون العقد صحيحاً، ولا مانع منه شرعاً كالمحرمية أو وجود زوج قائم أو غير ذلك. فإن كان الزواج باطلاً لعيب في العقد أو لمانع شرعي، فلا ميراث بين الزوجين.
  • أن يكون الزواج قائماً ولم ينفسخ بطلاق أو فسخ أو غير ذلك. فإن انتهى الزواج قبل الوفاة فلا ميراث بينهما.
  • أن يكون الزوج على قيد الحياة عند وفاة الزوجة، سواء حضرها أم لا. أما إذا مات قبلها فلا ميراث لورثته منها، لحديث: “لا يرث الميت”.
  • عدم وجود مانع من موانع الإرث بين الزوجين، كالقتل أو الارتداد عن الإسلام، فلا يرث القاتل من مقتوله، ولا المرتد من المسلم.
  • عدم حرمان الزوج من الميراث بسبب اللعان، فإن لاعن الزوج زوجته وتبين به الفراق، فلا ميراث بينهما حينئذٍ.
  • عدم حجب الزوج عن الإرث بوجود عاصب كالابن، فالابن يحجب الزوج عن كامل الميراث إن فرض له فرض، وعن الباقي تعصيباً بعد أصحاب الفروض.
  • عدم تنافي إرث الزوج مع حق الجهة التي آلت إليها تركة المتوفاة كالولاء أو الرق.

هذه أهم الشروط التي يجب توافرها في الزوج حتى يستحق الميراث من زوجته المتوفاة، فإن انتفى شرط منها سقط حقه في الإرث، استناداً إلى الأدلة الشرعية الواردة في هذا الشأن.

إغلاق
error: Content is protected !!