نصيب الزوجة من الميراث

نصيب الزوجة من الميراث

الميراث في الإسلام من المواضيع المهمة التي يجب أن يفهمها المسلمون ويطبقوها بعدالة وإنصاف، ومن أبرز مسائل الميراث التي تثير بعض التساؤلات هي مسألة نصيب الزوجة من الميراث، فالزوجة في الإسلام لها نصيب محدد من ميراث زوجها، وهو نصيب يختلف باختلاف الورثة الموجودين. وقد تطرح بعض التساؤلات حول عدالة هذا النصيب مقارنة بنصيب غير الزوجة من الورثة.

في هذا المقال سنتناول مسألة نصيب الزوجة من الميراث زوجها بالشرح والتفصيل، مبينين أدلة ذلك من القرآن والسنة، ومناقشة بعض الشبهات المثارة حوله، وبيان حكمة الشرع في تقدير هذا النصيب. فما هو نصيب الزوجة الشرعي؟ وما هي الحكمة منه؟ سنجيب على هذه الأسئلة وغيرها في هذا المقال.

نصيب الزوجة من الميراث

يُعد موضوع نصيب الزوجة من الميراث زوجها من المسائل المهمة والحساسة في فقه المواريث، إذ إن المرأة تربطها علاقة زوجية وحياة مشتركة مع زوجها، فمن الطبيعي أن يكون لها نصيب من تركته بعد وفاته. وقد فصّل الإسلام هذا النصيب بدقة، حيث جعل للزوجة الربع إن لم يكن للزوج ولد، فإن كان له ولد فلها الثمن بعد وفاة زوجها.

والحكمة من هذا التقدير راجعة إلى أن الولد يُعد أولى بالإرث من الزوجة، فهو امتداد لوجود المتوفى وثمرة علاقته مع زوجته، بخلاف الزوجة فليست من ذريته ولا من أقربائه. لذلك كان من العدل أن يكون نصيبها أقل إن تعدد الورثة. إلا أن بعض الناس يرون أن نصيب الثمن قليل بالنسبة للزوجة التي قضت مع زوجها عمرًا طويلاً.

لكن ينبغي ملاحظة أن الزوجة مكفولة ماديًا أثناء حياة زوجها، فهي تأخذ مهرًا ونفقة، ولا تُكلَّف بإعالة الأسرة، بخلاف الولد غالبًا. كما أنّ لها الحق في الميراث حتى وإن كانت غنية، بينما الولد الغني لا ميراث له. هذا بالإضافة إلى أن المرأة قد تتزوج بعد وفاة زوجها، بينما الولد لا يستطيع استبدال والده.

وهكذا فإن تحديد الشريعة لنصيب الزوجة يتسم بالعدل والحكمة، ويراعي ظروف جميع الأطراف.

الحكمة من نصيب الزوجة من الميراث

تكمن الحكمة من تحديد الشريعة الإسلامية لنصيب الزوجة من الميراث زوجها في عدة أمور:

  • المراعاة لحق الأولاد والأقارب، فالولد امتداد لوجود الأب، ومن صلبه ونسله، فمن الطبيعي أن يكون أحق بالإرث من غيره. أما الزوجة فليست من أقربائه ولا من نسله، بل دخلت إلى أسرته بالزواج. لذا كان تقديم ذوي القرابة عليها في الميراث أمرًا منطقيًا وعادلاً.
  • المراعاة لظروف الزوجة المالية، فهي في حياة زوجها تأخذ المهر والنفقة، ولا تتكلّف بإعالة الأسرة، بينما الأبناء غالبًا ما يكونون عالة على الأب. فلا يعقل أن تأخذ الزوجة مثل نصيب الابن أو أكثر منه وهي قد أُنفق عليها طوال حياة زوجها.
  • إمكانية زواج المرأة بعد وفاة زوجها، بينما الولد لا يستطيع استبدال والده أبدًا. فزواجها من جديد يؤمّن لها مصدر رزق آخر. أما الولد فلا معيل له سوى أبيه.
  • عدم تكليف المرأة بالإنفاق على الأسرة، بينما الرجل مكلّف بالنفقة. فمن المنطقي أن يكون نصيبه أكبر ليتمكن من الوفاء بهذا الالتزام.
  • جعل الميراث حقًا للزوجة حتى ولو كانت غنية، بينما الابن الغني لا ميراث له. فالشريعة راعت المرأة ومنحتها هذا الحق مهما كانت ظروفها.

وهكذا نرى أن تقدير الشريعة لنصيب الزوجة من الميراث يتسم بالعدل والمرونة، مراعيًا مصلحة الزوجة والأولاد والمجتمع.

ما هو نصيب الزوجة من الميراث
ما هو نصيب الزوجة من الميراث

نصيب الزوجة إن لم يكن للزوج ولد

في نصيب الزوجة من الميراث نصّ الفقهاء على أن الزوجة إذا لم يكن لزوجها ولد، فإنها ترث الربع من تركته بعد وفاته. وهذا مبني على قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12].

والحكمة في ذلك أن الزوج هو أقرب الناس إلى زوجته بعد وفاته إذا لم يكن له ولد، فشرع لها ربع تركته تكريما لها واعترافا بحقها كزوجة. ولم يجعل نصيبها النصف كالإخوة للمتوفى؛ لأن الأخوة أقرب منها نسبا.

ويشترط لاستحقاق الزوجة هذا الربع ألا يوجد معها مانع من موانع الإرث، كالقتل والارتداد واختلاف الدين. كما يشترط أن تكون الزوجية قائمة بينهما وقت وفاة الزوج، فلا ترث إن كانا مطلّقين. ولا تشاركها أحد في هذا الربع.

وهكذا راعى الشارع الحكيم مصلحة الزوجة بعد وفاة زوجها ما لم يكن له ولد، فأعطاها الربع تكريما لها وحفاظا على كرامتها بعد فقدان معيلها الذي قضت معه حياتها.

فالشريعة عدلت في هذا التقدير ووفّرت للزوجة مقومات العيش الكريم بعد وفاة زوجها ما لم يكن له ولد.

نصيب الزوجة إذا كان للزوج ولد

نصيب الزوجة من الميراث إذا كان للزوج ولد، فإن نصيب زوجته من الميراث يختلف عن الحالة التي لا ولد فيها، إذ قضت الشريعة بأن نصيب الزوجة في هذه الحالة هو الثمن وليس الربع. جاء هذا التقدير استنادًا إلى قول الله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم} [النساء: 12].

والحكمة في ذلك أن وجود الولد يجعل نصيب الزوجة أقل؛ لأن الولد أولى بالإرث منها لكونه من صلب المتوفى وامتداد لذريته. في حين أن الزوجة ليست من أقاربه ولا من نسله.

كما أن الولد غالبًا ما يكون عالة على أبيه في حياته، بينما الزوجة مكفولة ماديًا من قِبل زوجها. لذا فمن المنطقي أن يكون نصيبها أقل إذا تعدد الورثة بوجود الأبناء.

ومع ذلك فقد راعت الشريعة الحكيمة حق الزوجة بتخصيص الثمن لها تكريمًا واحترامًا، فلم تتركها بلا نصيب بحجة وجود الأبناء. بل أقرّت لها هذا الحق مهما كانت ظروفها المادية.

شروط استحقاق الزوجة للميراث

تشترط الشريعة الإسلامية عدة شروط لاستحقاق الزوجة نصيبها الشرعي من ميراث زوجها، وهي:

  •  أن تكون العلاقة الزوجية قائمة بين الزوجين حتى وفاة الزوج، فإن انفصلا بالطلاق فلا ميراث بينهما. لكن إن مات الزوج في عدّة الطلاق فلها الميراث لاستمرار رابطة الزوجية شرعًا.
  • عدم وجود موانع الإرث بين الزوجين، مثل اختلاف الدين، فالمسلمة لا ترث من زوجها غير المسلم، والعكس صحيح.
  • عدم قتل الزوجة لزوجها عمدًا، فلا ترث في هذه الحالة لقول النبي صلى الله عليه وسلم “لا يرث القاتل شيئًا”.
  • ألّا ترد الزوجة عن دينها وتصبح مرتدة بعد إسلامها، فالمرتدة لا ميراث لها من زوجها أو غيره.
  • عدم زواج الزوجة بأخي زوجها أو ابنه من غيره أثناء زواجها منه، فهذا يمنعها من الميراث.
  • أن يكون الزواج صحيحًا بينهما شرعًا، فلا ميراث بين الزوجين إن كان زواجهما باطلاً.

وهكذا تضمنت شروط الميراث مراعاة للحقوق وسدًّا للذرائع أمام من يسيئون استعمال هذا الحق الشرعي.

وهكذا يتضح لنا مما سبق أن الإسلام قد راعى حقوق الزوجة وكرامتها، وخصّص لها نصيب الزوجة من الميراث تكريمًا لها واعترافًا بمكانتها، وجعل هذا النصيب متفاوتًا بحسب وجود أولاد أو عدم وجودهم؛ حفاظًا على مصلحة الجميع. كما اشترط شروطًا لضمان العدالة وسد الذرائع. وفي كل ذلك حكمة بالغة ومراعاة لمصالح الزوجة والمجتمع.

إغلاق
error: Content is protected !!