نصيب الام من الميراث
يُعد موضوع نصيب الام من الميراث من المواضيع المهمة والحساسة في المجتمعات الإسلامية، إذ يتعلق الأمر بتوزيع إرث المتوفى بين ورثته على نحو عادل وفق ما حدده الشرع، وقد اهتم الإسلام ببيان الأحكام المتعلقة بميراث الوالدين والأقارب، فنصّ على نصيب كل من الأب والأم من إرث ولدهما المتوفى عملاً بقوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ}.
وفي هذا المقال سأتناول بالتفصيل موضوع نصيب الأم من ميراث ابنها أو ابنتها المتوفيين، مبيناً الأدلة الشرعية الداعمة لذلك، وشارحاً حكمة الشارع الحكيم في تقسيم الميراث.
نصيب الام من الميراث
يُعدّ موضوع نصيب الأم من ميراث ابنها أو ابنتها المتوفى من المواضيع المهمة في فقه المواريث، نظراً لما للأم من مكانة سامية وحقوق واجبة في الإسلام. وقد بيّن الشرع الحكيم الأحكام المتعلقة بميراث الأم، وحدد نصيبها بدقة، تكريماً لها ورعاية لحقوقها.
فإذا ترك المتوفى أبوين وإخوة أو أخوات، فإن نصيب الأم يكون السدس بالتعصيب، أي أنها تأخذ السدس فرضاً عند وجود الإخوة أو الأخوات مع الأب. وهذا استناداً لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ}.
نصيب الام من الميراث إذا انفردت الأم وحدها مع إخوة المتوفى أو أخواته، فإنها ترث الثلث فرضاً استناداً لقوله صلى الله عليه وسلم: “ألحقوا الفرائضَ بأهلِهَا، فما بقيَ فلأولى رجلٍ ذكرٍ”.
كما يرى جمهور الفقهاء أن الأم إذا انفردت ولم يوجد معها إلا بنت، فإنها ترث الثلث فرضاً وتكملة الثلثين للبنت الواحدة. أما إذا كان مع الأم بنتان فأكثر، فإن نصيبها ينخفض إلى السدس فرضاً اقتساماً مع البنات.
والحكمة من تخفيض نصيب الأم عند وجود البنات، هو الموازنة بين حق الأم وحقوق البنات، فالبنت صاحبة نصيب اصلي في الميراث بخلاف الأم، فكان تخفيض نصيب الأم تكريماً للبنت ورعاية لحقها.
وهكذا نرى أن الشرع أولى الأم عناية فائقة في قضايا الميراث، فجعل لها نصيب الام من الميراث محدداً تأخذه على كل حال، إكراماً لها واعترافاً بفضلها ومكانتها. والحكمة من ذلك هو ضمان حصول الأم على نصيبها الشرعي من ميراث ولدها لتستغني به عن الحاجة والفقر بعد وفاة معيلها.
نصيب الأم في حال وجود زوج أو زوجة
يختلف نصيب الام من الميراث ابنها أو ابنتها في حال وجود زوج أو زوجة للمتوفى عنه في حال عدم وجود الزوج أو الزوجة. فإذا ترك المتوفى أماً وزوجة، فإن نصيب الأم يكون السدس فرضًا، وللزوجة الربع فرضًا أو الثمن فرضًا إن كان للمتوفى فرع وارث. أما إذا ترك المتوفى أمًا وزوجًا، فإن نصيب الأم يكون السدس كذلك، وللزوج النصف فرضًا إن لم يكن للمتوفى فرع وارث، أو الربع فرضًا إن كان للمتوفى فرع وارث.
والحكمة من تخفيض نصيب الام من الميراث عند وجود الزوج أو الزوجة هي الموازنة بين حق الأم وحق الزوجين، فالزوجة لها حق النفقة على زوجها، والزوج كذلك له حق النفقة على زوجته، لذا مُنحا نصيبًا من الميراث يغطي احتياجاتهما بعد وفاة الشريك. أما الأم فقد أُعطيت نصيبًا أقل نظرًا لعدم وجود علاقة مالية مع ابنها كما هي الحال مع الزوجين.
وقد اختلف الفقهاء في نصيب الأم مع الزوجة عند عدم وجود فرع وارث للمتوفى. فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن نصيب الأم يبقى سدس التركة فرضًا كما هو، بينما تأخذ الزوجة الربع فرضًا والباقي تعصيبًا. وذهب الحنفية إلى أن الأم ترث الثلث بالتعصيب مع الزوجة.
وهكذا نلاحظ أن الشارع راعى حق الأم في الميراث مع مراعاة حقوق باقي الورثة من الزوجين، فأعطى كل ذي حق حقه بالقدر المناسب الذي يحقق العدل والمصلحة، مع المحافظة على نصيب مناسب للأم ضمانًا لكرامتها وحفظ حقوقها بعد وفاة معيلها.
تعرف على: نصيب الزوجه من الميراث
متى لا ترث الأم ابنها
تُعدّ الأم أحد أهم الورثة الذين اهتم الإسلام ببيان نصيبهم وحفظ حقوقهم، إلا أن هناك حالات محددة لا ترث فيها الأم ابنها أو ابنتها المتوفى، وذلك لوجود مانع شرعي يحول دون استحقاقها للميراث.
من أبرز الحالات التي لا ترث فيها الأم ابنها:
- إذا كان الابن مرتدًّا عن الإسلام، فلا ترثه أمه المسلمة ولا غيرها من المسلمين، لقوله تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}.
- إذا كانت الأم قاتلة لابنها عمدًا، فإنها تُحرم من الميراث لوجود مانع القتل العمد.
- إذا كانت الأم من غير أهل الإسلام، كأن تكون مشركة أو كتابية، فلا ترث ابنها المسلم، لاختلاف الدين.
- إذا قطعت الأم رحمها بابنها وقطعت العلاقة بينهما في حياته، فلا ترثه بعد مماته، لحديث: “لا يرث القاطع”.
- إذا طلق الابن أمه ثلاثًا في حياة أبيه، فلا ترثه بعد وفاته، لأنها صارت بمنزلة الأجنبية بالطلاق.
- إذا كان الابن غير شرعي نتيجة زنا أو اغتصاب، فلا ترثه أمه لعدم ثبوت نسبه شرعًا.
وهكذا نلاحظ أن الشرع ضيّق الخناق على الأم في بعض الحالات الاستثنائية، حفاظًا على مقاصد العدل والحكمة في الميراث، مع المحافظة على حقها في معظم الأحوال اعترافًا بفضلها ومكانتها.
هل الأم ترث ابنتها المتزوجة
نصيب الام من الميراث، تعدّ الأم من أصحاب الفروض الواجبة في ميراث المسلم، فهي تستحق نصيبًا شرعيًا من تركة ابنها أو ابنتها سواء أكان ذكرًا أم أنثى، متزوجًا أم أعزبًا.
والأصل أن الأم ترث ابنتها المتزوجة كما ترث ابنها المتزوج، وذلك استنادًا إلى النصوص الشرعية العامة التي أقرّت حق الوالدين في إرث الأبناء من غير تفريق بين الذكر والأنثى أو بين المتزوج وغير المتزوج.
قال تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}. وجه الاستدلال أن سليمان ورث أباه داود عليهما السلام ولم يفرّق بين الابن والبنت.
كما أن زواج المرأة لا يمنع والديها من إرثها، بدليل أن الزوج يرث زوجته وهي في رحم أبويها. فإذا كان الزوج الأجنبي يرثها، فمن باب أولى أن يرثها أبواها.
وهكذا نخلص إلى أن الأصل ثبوت حق الأم في إرث ابنتها المتزوجة بنصيب شرعي مقدّر، ما لم يوجد مانع شرعي يحول دون ذلك. فالشرع صان حق الأم ومنحها مكانة مرموقة في ميراث أبنائها من الذكور والإناث على السواء.
تبيّن لنا مما سبق أن الإسلام قد اعتنى عناية فائقة ببيان حقوق الأم وتحديد نصيب الام من الميراث ابنها أو ابنتها المتوفى، تكريماً لها واعترافاً بمكانتها وحقوقها الواجبة، فقد ضمن لها الشرع نصيباً محدداً من تركة المتوفى تأخذه على كل حال، سواء أكان معها إخوة أم لا، وسواء وجد معها أب أم لم يوجد، بل حتى مع وجود زوج أو زوجة وغيرهم من الورثة.
كما بين الشرع الحكيم أحكام نصيب الأم بدقة وتفصيل، مراعياً التوازن بين حقوقها وحقوق باقي الورثة. واستعرضنا أدلة هذه الأحكام والحكم من ورائها.